أختلاطي مع مجتمعات مختلفة و بيئات عِدة كان
و مازال المحرك الأساسي لرغبتي في التساؤل و الأستفهام. أعتقد أن الستة شهور
الماضية بكل تفاصيلها كانت الفترة الأهم في حياتي كشخص يُفكر، أو على الأقل يحاول.
كانت الستة شهور الماضية مليئة بالأحداث السعيدة، و اللحظات المؤلمة على حد سواء،
و كانت نداء الأيقاظ حين ظن عُقلي أنه يود أن يأخذ أستراحة من التفكير و التساؤل،
أو بالمصطلح الدارج "يفخَد". . أنا بطبيعتي شخص متسائل، لا يؤمن بوجود
نهاية معينة لتساؤلي، و لكني أري أهمية التساؤل المستمر بدون الوصول لأجوبة شافية
طوال الوقت، و أن لذلك بعينه أهداف مستقلة.
أتيحت الى الفرصة في الفترة الماضية أن أختلط
مع عدة مجتمعات، أو مجموعات، كما تُفضَل التسمية، و أخترت بعضها لأنتمي اليه في
أوقات، و أخرى لأنفر منها بسبب مرجعيتي الأجتماعية ثم أعود لأتمعن فيها فأجد أن
نفوري كان خطأً، و مرت الأمور على هذا المنوال، حتى قررت أن لدي ما أقوله بخصوص
جزء من هذه المجتمعات، و هي المجتمعات المثلية المصرية بصورة خاصة.
المجتمعات المثلية المصرية في وجهة نظري، أو
لتجنب التعميم: هذه القطاعات التي أُتيحيت لي الفرصة أن أتقرب منها و أكون جزءاً
منها، بطبيعة هويتي أكثر منها تفكيري، هي مجتمعات مثيرة جداً للتساؤل، و
الأستفهام، والذي أحياناً ينتهي بالأستنكار و أحياناً أخرى ينتهي
"بالأنشكاح".
لن يسعفني عقلي أو الوقت أن أتحدث في كل
الجوانب الحياتية و الأجتماعية لهذه المجتمعات، أو القطاعات، لهذا و رغم هذه
المقدمة، أفضل أن أحصر رأيي في نقطة أساسية في كتابتي هذه المرة، على أمل ألا يجد
أحداً فيما سأورد اساءة أو أجحاف.
المجتمعات المثلية المصرية تتكون في أفراد،
أحياناً، و أحياناً أخرى تتكون من سلطة شبيهة للغاية بالسلطة الأبوية، أو السلطة
الهرمية، تنتهي بأتباع و "مُريدين". فعلى مختلف الطبقات الأجتماعية، تجد
أسلوب حياة معين، و سلطة معينة، و أحياناً أستقلالية و أفراد لا يربطهم حس المجتمع
أو التواصل.
و لكن يبدو دوماً هؤلاء الأفراد اللامعون،
الأذكياء، أبناء الطبقة الوسطى في الغالب الذي تجد أنماط حياتهم الأشد تشويقاً و
ابهاراً حينما تكون المُستجد في هذا العالم. أن تتبعت حياة هؤلاء الأفراد تجد أنهم
غالباً ما يكونوا في جماعات صغيرة أو مجتمعات أكبر، بقية أفرادها متشابهين في
الظروف الاجتماعية، و لكن ليس بالضرورة متطابقين في الآراء، طبعاً.
أرى دوماً هذا النوع من المجتمعات يتتبع بشكل
واضح سياسات مجتمعات مثلية أخرى، و بالأخص مجتمعات غربية، و يبدو مدهشاً كيف أن تطورهم
يتماشى بنمط يقارب جداً تطور المجتمعات الغربية في الحقوق الجنسية بشكل عام، و
التحرر المثلي بشكل خاص. فهم يتبنون بكل ثقة ثقافات المجتمعات الغربية في أسلوب
حياتهم، و معتقداتهم، و حتى التعريفات التي يستخدمونها في توصيف حالة معينة، أو
حدث معين، متعلق بهويتهم.
يعطيني ذلك شعور مزعج كما لو كان الغرب هو
مصدر المثلية الجنسية، أو له الريادة في توصيفها، مما يعطيه الحق في أختيار
الألفاظ و التعاريف و الطرق و أساليب الحياة. رغم أن رجوعنا بضعة آلاف من السنين
الى الوراء يظهر أن أول توثيق لعلاقة مثلية زوجية كاملة كانت في عهد المصريين القدماء
مثلاً.
لكن ذلك لا يمنع أن المثليين قرروا أن
يَجعلوا من تجربتهم مثال شبيه تماماَ بتجربة الغرب، على سبيل المثال في أختيار
اللفظ الشائع Coming Out – أو الخروج من الخزانة، حسب الترجمة. المصطلح بدء
بالأساس في الولايات المتحدة الأميريكية، حينما كانت تقوم السيدات الأثرياء بتقديم
أنفسهم الى المجتمع، و تعريف أنفسهن ك"سيدات مجتمع" و يعلنون أهتمامهم
بالقضايا الأجتماعية. طور هذا المفهوم فيما بعد الى المثلية في الولايات المتحدة
كطريقة لأعلان الانضمام الى جماعة المثليين، يُذكر أيضاً أن المفهوم نفسه لا الفظ
كان يستخدم في الدول المسيحية في أوروبا، حين وَجب على المسيحي أن يعلن مسيحيته
أمام الجموع حتى تقبله الكنسية، و يبدو المفهوم الأخير شبيهاً جداً بما أقصد، فعلى
ما يبدو هنا تلك الثقافة المتناقلة بين أفراد المجتمع المثلي أن هناك خطوات يجب
على كل مثلي تتبعها حتى "يُثَبِت" مثليته أو يصبح "مِثلي
كويس". تتضمن بلا شك الجلوس في تجمعات مثلية تتناسب مع مستواه و هويته، ولا
تكون جماعات منحلة حيث يستخدم أفراد هذه الجماعات المنحلة ألفاظ تؤذي أذان أولاد
الطبقة الوسطى، و من أهم الخطوات هي "الخروج من الخزانة"، ليس فقط
بالمفهوم، و لكن بنفس النمط المتبع في الغرب، كما لو كان الخروج من الخزانة هو الشهادة
التي يجب أن ينطقها بنفس اللغة و الأشارة و بدون تحريف.
يلفت أنتباهي في هذه النقطة مدى غياب الشعور بحقيقة
المجتمع و خصوصية التجربة المثلية في مصر، الوضع هنا مختلف، لا ينتحر الشباب
المثلي لأنه يتعرض للمضايقة في المدرسة، ولا تغني ليدي جاجا في مارينا و تُهدي
أغانيها للمثليين في أنحاء المسكونة، الثقافة الجنسية و علاقتها بالمجتمع بكل
محدداته في مصر تتمع بخصوصية و تفرد شديدين، ولا يبدو على أي صعيد أن نقل أنماط
غربية يساهم كثيراً في تحسين الوضع. و لكني في النهاية
أتفق مع مبدأ "الخروج من الخزانة" و الخزانة التي أعنيها هنا هي خزانة
التجربة الأميريكة بكل مرادفاتها في الحريات الجنسية، و النظر بصورة أعمق الى
مجتمعنا بكل محدداته.
No comments:
Post a Comment